

و في ظل تلك الأيام العصيبة على هذا الطفل الصغير فهو يعيش مع رجل ليس أباه , و عليه أن يحيا يوميا داخل مجتمع غريب عنه , و كان على هذا الطفل النابغ أن يستخدم ذكاءة و فطنته و لباقته و حسن كلامه في كسر الحاجز بينه و بين جريانه و زملائه , و قد أجاد ذلك ببراعه , فلم يترك الفرصة للغربة أن تفرض عليه العزلة و الصمت , و بعد عودته للولايات المتحدة كان طبيعيا أن يراودة إحساس طبيعي بأنه مشتت لا يعرف تحديدا لمن ينتمي , فنصفه من أصل أفريقي , و النصف الآخر أمريكي , و قد عاش طفولته في بلد إسلامي , و في داخل أمريكا يعتبره البيض غريبا عليهم , بينما لا يستطيع السود أن يساعدوه في شيء , لكنه استطاع و ببراعه أن يحول هذا التشتت لمصلحته و بات قادرا على مخاطبة كل منهم حسبما يريد و الأكثر من ذلك أنه أصبح مقنعا بالنسبة إليهم عندما يكلمهم عن الآمال و الطموحات .
و عند تخرجة من الجامعه بحث عن وظيفة ترضي طموحه أو بالأصح تساعده على تحقيقه , و قد وجدها في هيئة ناشط مسئول عن تنمية المجتمع المحلي بولاية ألينوي , لقد كانت وظيفته تحتاج إلى رجل يعرف كيف يتكلم و هي أيضا وظيفة تكسب لصاحبها مهارات عديدة كالإقناع و الخطابة , فتعلم منها الكثير .
و بعد اكتسابة لكل هذه المهارات , أعلن رغبته في الحصول على عضوية مجلس الشيوخ الخاص بولاية ألينوي و هو ما قد نجح في الحصول عليه في عام 1997 , و من خلال وجوده داخل المجلس مارس مهاراته في كسب المزيد من العلاقات عن طريق الكلام المنمق الذي يفتح القلوب دون أن ينتظر مفتاحا , فتعرف و صادق أهل النخبة في المؤسسات الكبرى داخل الولاية على إختلاف أصولهم و عقائدهم و ميولهم , فالجميع أعجب بذلك الشاب حسن الحديث أسمر البشرة ,و لم تمضى عدة سنوات حتى فاز باراك أوباما بعضوية الكونجرس الأمريكي بأغلبية كبيرة .

و في عام 2008 وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض ليمارس عمله كرئيس فقد كسر توقعات المحللين و الخبراء و قد استطاعت كلماته الرنانة و حديثة الشائق أن تكسب قلوب الأمريكيين و تستميلهم للتصويت له . و ليس هذا فحسب فبعد نهاية ولايته الأولى التي دامت أربع سنوات أعاد هذا الفتى ترشيح نفسه في أنتخابات 2011 و قد فاز بها ليثبت للعالم و من جديد بأنه عظيم خطيب في عصرنا الحاضر , فقد اكتسب قلوب الناس عن طريق لسانة لا بأمواله .
من كتاب "أسلحتك الطبيعية لتدافع عن مستقبلك بقوة" للمؤلف "وحيد مهدي"
0 التعليقات:
إرسال تعليق